من الأمور التي لا جدال فيها أن مسئولية استقرار الأسرة هي مسئولية مشتركة بين الزوجين؛ فهما شريكان في تدبير وإدارة الحياة الأسرية ومواجهة التحديات الطارئة، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم، وَالْـمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ»".
وعند الحديث عن الأسرة في ميزان "القوامة" من الضروري أن ندرك أن الرجل في إطار العلاقة الزوجية تثبت له القوامة بالنص الشريف؛ وذلك بقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34]، وهي تعني مسئولية الرجل عن الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد إن وجدوا، ولا ترتب بحالٍ حقًّا يتسلط به الرجل على المرأة، فقد أوجب الشرع الحنيف على الزوج واجبات لازمة تجاه أسرته؛ فهو القائم بجميع ما يحتاج أفرادها من نفقات ومتطلبات مع صيانتهم ورعاية حقوقهم، وذلك بحسب العرف لأمثالهم على مثله؛ فالزوج مسئول أمام الله عن تقصيره تجاه أسرته وخاصة إذا كان هذا التقصير دون عذر. بل قد حث الشرع الشريف الزوج على طلب مشورة زوجته في شئون تدبير العائلة؛ فإن التشاور يُظهر الصواب ويحصل به التوافق بين الطرفين كما أوجب على المرأة التعاون مع الزوج، كل ذلك في دائرة المعروف والمعقول؛ فالقوامة أو رعاية شئون الأسرة تظل ثابتة للرجل ولا تنفك عنه بحال؛ فإذا قصَّر في واجباته بدون عذر وجب إرشاده بحوار عقلاني ومتزن.
أما عن المعنى اللغوي للفظ القوامة المذكور في الآية الكريمة، نجد لفظة (قوَّام) بالتشديد يعني القائم على حقوق الله تعالى؛ كما جاء في القواميس والمعاجم كـ "القاموس المحيط"، والـ (قوَام) بالتخفيف يعنى عدلًا وسطًا بين الطرفين؛ كما جاء في "القاموس" أيضًا، فعلى هذا كله لا تنتج القوامة تسلطًا واستعلاءً، بل تنتج قيامًا على الحق وعدلًا في تولي الأمر. فكل هذه المعاني الواضحة تدخل في مضامين المسئولية والولاية؛ لأنه لا يعقل أن القائم على حقوق الله تعالى أو على الحقوق جميعًا يمكن أن يكون متسلطًا على هذه الحقوق، بل الأدق أن يقال: إنه أضحى مسئولًا عن هذه الحقوق بكل تفاصيلها.
هنا يجب أن نفهم القوامة في ضوء النموذج التطبيقي النبوي الشريف؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجعل أبدًا القوامة حجة للتسلط على المرأة أو إهانتها أو إلغاء شخصيتها كما هو الحال مع بعض الأزواج في وقتنا المعاصر، بل كان (صلى الله عليه وسلم) معاونًا في شئون بيته، هينا في التعامل ورحيما بزوجاته؛ وفي خدمة أهله كما ورد في رواية السيدة عائشة (رضي الله عنها)، سُئلت عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَة" (رواه البخاري).
ينبغي للرجل أن يعلم أن القوامة تكليف من الله عز وجل وليست تشريفًا له، وهي مسئولية عظيمة ودقيقة في ذات الوقت أخذًا من معانيها اللغوية ومن تصرف النبي الكريم فهو النموذج الصحيح في هذا الأمر، وكذلك فهي لا تعطي للرجل حقًّا يتسلط به على أسرته أو تجعله متفردًا في اتِّخاذ القرارات، فالقوامة ليست سلطة عليا في يد الرجل يترتب عليها إلغاء شخصية المرأة في البيت أو تهميش دورها، بل تحقق القوامة "مصلحة الأسرة" عندما يدير الزوج بها الأسرة إدارة حسنة وإدارة رشيدة بما يحقق المصلحة للأسرة جميعًا بعيدًا عن الرعونة والتسلط، فالتعاون الصادق والمثمر بين الزوجين يُعَدُّ من أقوى دعائم الحياة الاجتماعية السليمة بين الزوجين، فالزوج الناجح والزوجة الناجحة هما من يتفقان على المشاركة المتوازنة في إدارة ناجحة للبيت؛ وهذا الأمر مقصد أصيل من مقاصد عقد الزواج.
وما نجده من الزوجات في مجتمعنا العربي والمصري في أغلب الحالات أن الزوجة تكون داعمة لزوجها وأسرتها في كل شئون الحياة، ومحافظة على كيان الأسرة، ومكملة لشخصية الرجل في البيت وليست ملغاة، انطلاقًا من المودة والعِشرة الطيبة والمعاملة بالفضل كما في قوله تعالى: " وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ" (سورة البقرة: 237).